top of page
Rechercher

وهم الخصوصية في عصر الرقمنة

ahlamghajjou17

تحرير: أحلام غجو


بينما كنت جالسة أمس مع صديقتي نتجاذب أطراف الحديث، تشاركت معها بكل عفوية رغبتي في تعلم القِيثَارَة. مرت لحظات، أمسكت هاتفي، وإذا بي أرى إعلانات لأقرب متاجر بيع الآلات الموسيقية على الفايس بوك. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها معلوماتي الشخصية تُنتزع مني؛ فاستغلال شركات الانترنت لمعطيات المستهلكين وتحكمها في البيانات الضخمة ليست من باب الأسرار، منذ أن كشف إدوارد سنودن عن البرنامج التجسسي السري للحكومة الأميركية عام 2013. ادعت المخابرات حينها أن استعمالها للمعطيات الخاصة لا ترمي إلا لتحقيق المصلحة العامة والحفاظ على الأمن والأمان ومحاربة الإرهاب. أوليس إرهابا أن نتعرض لانتهاك خصوصيتنا وحميميتنا بشكل مستمر؟


آراؤنا و اهتماماتنا، أذواقنا وأفضلياتنا، بل و أيضا توجهاتنا السياسية والأيديولوجية؛ غدا من السذاجة أن نظن أنها ملك لنا فقط؛ و لعل فضيحة كامبريدج أناليتيكا خير دليل على كيفية تورط فايس بوك في تسريب بيانات لسبعة و ثمانين مليونا من مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وصول شركة فايس بوك إلى ترليون دولار في عقد واحد لم تكن وليدة الصدفة، ألا يقال إنه "إذا لم تدفع ثمن المنتج، فاعلم أنك أنت المنتج الذي يُباع"! شئنا أم أبينا، معطياتنا الشخصية أصبحت المقابل الذي ندفعه للشركات الرقمية الضخمة. وحياتنا الشخصية اليوم، بخصوصيتها وأسرارها، تلفظ أنفاسها الأخيرة لتضخ الحياة في برامج الذكاء الاصطناعي. هذه الشركات الكبرى (فيسبوك، غوغل، أبل، أمازون وتويتر...) تقدم لنا وهم الذاكرة الرقمية، نخزن فيها كل ذكرياتنا، أحاسيسنا، تطلعاتنا وإنجازاتنا، لنصبح عاجزين عن الاكتفاء بذاكرتنا الإنسانية "الضعيفة". فلم يعد للحاضر معنى إلا بتحويله إلى ذاكرة رقمية؛ ولم تعد لتسلق قمة إفرست أية جدوى إن لم تُنشر صورها في مواقع التواصل الاجتماعي. معلومتنا الشخصية أضحت مادة أولية لا تنفذ، تنبعث بدون توقف من أنابيب الرقمية، ليتم استغلالها من طرف شركات الأنترنت الكبرى لتحقيق أهدافها الربحية والسياسة. في ظل هذه الانتهاكات، دق الخبير ديلان كوران ناقوس الخطر في مقاله الذي نُشر يوم 30 مارس 2018، إذ كشف من خلاله استغلال شركة غوغل لخاصية تحديد المكان في رصد كل المسارات التي يسلكها المبحرون في الأنترنت. فما أن تمر من متجر أو مطعم حتى يرن إشعار على هاتفك لتبدي رأيك بشأنها. زد إلى ذلك احتفاظ محركات البحث بكل المعطيات التي تنقرها على الحاسوب أو على الهاتف الذكي، لتستبق المحتوى الذي تريد استهلاكه وتعرضه عليك وفقا للمواصفات الدقيقة التي تشتهيها... وما ذلك سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد العائم في نظام ليبيرالي متوحش. وإذا كان قدرنا هو السير مع تيار الرقمنة، فتحصننا بذاكرتنا الإنسانية، بذكائنا وأفكارنا هو حتما طوق النجاة الوحيد لخصوصيتنا.


 
 
 

Comments


Post: Blog2_Post
  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn

©2021 par JournalAhlam. Créé avec Wix.com

bottom of page