تحرير: أحلام غجو
أزمة ندرة المياه التي وصل إليها المغرب تعدّ الأسوأ منذ أربعين سنة؛ تراجعت الواردات المائية بنسبة 59 في المئة، وبدأ شبح الجفاف يخيم على عدد من المدن المغربية. لن يكون موضوعيا الادعاء أن هذا الوضع لم يكن بالحسبان، فقبل ثلاث سنوات من اليوم، نبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي إلى خطورة الوضع، مشيرا إلى أن أقل من 1000 متر مكعب للفرد الواحد سنويا يعتبر خصاصا مائيا. وفي هذه السنة، تقُدر الحصة المائية للفرد بأقل من 650 متراً مكعبا ويُتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030 . ومن جهتها، حذرت بعض الدراسات الدولية من فقدان 80 بالمئة من الموارد المائية في المغرب خلال 25 سنة المقبلة. كما نبّه معهد الموارد العالمية أن المملكة تحتل الرتبة الثانية والعشرين من أصل 165 دولة على مستوى الإجهاد المائي. ورغم كل السياسات والبرامج التي اتخذتها الحكومة لمواجهة هذه الأزمة كالمخطط الوطني للماء، سياسة السدود، ومشاريع تحلية مياه البحر، إلا أن المؤشرات لا تزال كلها مقلقة.

جهة درعة تافيلاليت مهددة بالعطش - صورة: هسبريس
"هذه الأزمة التي يشهدها المغرب حاليا لا يعود سببها إلى التغير المناخي فقط؛ بل هناك عوامل أخرى فاقمت الوضع كالاستغلال المفرط للمياه الجوفية والزراعة المكثفة"، يفيد الدكتور جواد الخراز، خبير مغربي في مجال إدارة المياه.
وأشار نفس المصدر إلى أن 87%من كل الموارد المائية للبلاد تخُصص فقط للري والزراعة.
ومن جهته، يرى خبير الاقتصاد نجيب أقصبي أن أزمة الأمن المائي يرجع سببها أساسا إلى النموذج الاقتصادي المغربي الذي يقوم على الزراعة.
وفي هذا السياق، عبّر الخبير البيئي محمد ابن عبو عن قلقه بشأن المياه الجوفية التي وصلت إلى مستوى حرج، مضيفا أن المستثمرين الكبار يستنفذونها من خلال مزروعات تستهلك كميات هائلة من المياه كالأفوكادو، بعدما تبين أنها من المنتوجات الزراعية الأكثر ذرّاً للربح.
ورغم الجفاف الذي يجتاح العديد من مدن المغرب، إلا أنه الدولة الافريقية الثالثة الأكثر تصديرا للذهاب الأخضر بعدما أصبحت صادراته ترتفع إلى 40 ألف طن كل سنة. وفي هذا الصدد، يؤكد الدكتور جواد أن المغرب "لا يصدر فقط الأفوكادو، بل يصدر معها كذلك كميات هائلة من الماء".
ومن أجل معرفة ما إذا كانت هناك سياسات تستهدف الحد من هذا الإنتاج الكثيف للأفوكادو، ربطتُ الاتصال مع أحمد عقابلي، مدير الاتحاد المهني لقطاع زراعة الأشجار المثمرة في المغرب، غير أن مصدرنا نفى مسألة كثافة الإنتاج، وأضاف أنه من المرتقب إضافة مساحات زراعية تمتد بين خمس آلاف وعشر آلاف هكتارا لزيادة نسبة صادرات الأفوكادو نظرا لعائداتها الاقتصادية على البلد.
· " أكبر مستثمري الأفوكادو في المغرب حاليا هم الإسرائيليين"
وقع المغرب، السنة الماضية، اتفاقية مع شركة "مهادرين" الإسرائيلية لإطلاق مشروع الأفوكادو في المغرب. تهدف هذه الاتفاقية إلى إنتاج عشرة آلاف طن من هذه الثّمرة سنويا،ً وهو ما يُعتقَد، حسب التقديرات، أن يستهلك عشر مليارات لتر من الماء في السنة الواحدة. هذه الكمية قادرة على إرواء عطش سكان قرية برمتها لمدة سنة، لكن حسب شاؤول شليح، الرئيس التنفيذي للشركة الإسرائيلية، فإن المغرب " يوفر جميع الظروف اللازمة لزراعة الأفوكادو من تربة ومياه وطقس وتكاليف منخفضة لليد العاملة".
وصرح نفس المصدر في مؤتمر صحفي أن "ندرة المياه" في إسرائيل هي من دوافع سن مثل هذه الاتفاقيات: "نحن أكبر منتج في إسرائيل وأكبر مصدّر للمنتجات الزراعية، ونريد أن تكون الحمضيات محصولنا الرئيس، غير أن ما يعوق ذلك في إسرائيل هو ارتفاع تكلفة المياه؛ فالماء هو النفقة الرئيسة (…)".
في هذا الصدد، أفاد خبير الاقتصاد نجيب أقصبي خلال مقابلتنا الهاتفية أن "أكبر مستثمري الأفوكادو في المغرب
حاليا هم الإسرائيليون، وسيستنزفون ما تبقى من موارد البلاد المائية ليُصَدروا 85% من الأفوكادو المغربية إلى أوروبا". وختم مصدرنا حديثه متأسفا: " إذا جُفّت الفُرَش المائية، لن تساعدنا الأرباح المالية المجنية من هذه الاتفاقية في مواجهة أزمة المياه في المغرب".
Comments