top of page
Rechercher

ماما عائشة: من يتيمة أب إلى أم للجميع

ahlamghajjou17

تحرير: أحلام غجو


في مثل هذا اليوم من الشهر الماضي، فقد المغرب أيقونة العمل الجمعوي والإنساني، وإحدى من أبرز شخصياته النسوية: عائشة الشنا، والمعروفة ب "ماما عائشة"، فمن تكون؟

قبل واحد وثمانين عاما من اليوم، رأت الناشطة الحقوقية النور بالدار البيضاء. فتحت عينيها على طفولة قاسية بعد أن تجرعت مرارة اليتم بوفاة والدها وهي في سن الثالثة. وبعد ستة أشهر، وافت المنية أختها هي الأخرى، تاركة عائشة مع أمها فقط.


صورة لعائشة الشنا، المصدر: الصحيفة


ضيق ذات اليد دفع الشنا إلى الخروج إلى معترك الحياة في سن صغيرة؛ اشتغلت كمساعدة في الجمعية المغربية لمحاربة داء السل، ليشكل ذلك أول تجربة لها في العالم الجمعوي.

وبعدما اشتد عودها، حصلت على دبلوم الدولة من مدرسة الممرضات لتشتغل بعدئذ كممرضة، ولاحقا كموظفة في وزارة الصحة. ورغم تقلدها كل هذه المناصب، ظلت عائشة مخلصة لمسارها النضالي، وتوجته بتأسيس جمعية التضامن النسوي عام 1985، لتكون بمثابة ملجئ للأمهات العازبات وأطفالهن، الذين سرعان ما أصبحوا ينادونها ب "ماما عائشة".

اختيار عائشة الشنا لأن تكون حضنا دافئا لهذه الفئة المستضعفة في المجتمع لم يأت من فراغ؛ ففي يوم من أيام عملها في وزارة الصحة عام 1981، طرقت باب مكتبها طفلة قروية لا تزال في ريعان طفولتها، تحمل بين ذراعيها الصغيرتين رضيعا ولد نتيجة علاقة غير شرعية. علمت عائشة فيما بعد أن والد الرضيع رفض الاعتراف به، ولم يتبق للطفلة من حل سوى التخلي عنه لوزارة الصحة. وعندما جاء وقت تسليم الرضيع، بدأ الصغير يصرخ بكل ما أوتي من قوة...

ظلت هذه الصورة القاسية عالقة بذهن عائشة، ولم يغمض لها جفن تلك الليلة. منذ ذلك الحين، قررت أن تسخر ما تبقى من حياتها لقضية الأمهات العازبات، وأسست جمعيتها بعد تجربة ميدانية رصينة، ومسار نضالي حافل في المجال الاجتماعي.

وبالحديث عن جمعيتها، قالت المرحومة في إحدى تصريحاتها: "تدخل الأم إلى الجمعية وهي مطأطأة الرأس، وتخرج منها بهامة مرفوعة وهي حاملة ابنها بيديها، ومتعلّمة حِرفة، والأهم من ذلك تعلمت أن تقول بكل إباء أنا أم".

.

عائشة الشنا مع أم عازبة بجمعية التضامن النسوي، المصدر: السفير العربي


هدفت عائشة، عبر جمعيتها، إلى لم شمل أسر عديدة، وإنقاذ الأمهات العازبات وأطفالهن من التشرد وظلم المجتمع الذكوري، غير أن مسارها النضالي لم يكن مفروشا بالورود؛ فلطالما كانت تنهال عليها سياط منتقديها، ملقين عليها تهمة التشجيع على الفساد. لكن المرحومة اليتيمة رفضت الانصياع لتهديداتهم، وظلت بجانب الأمهات العازبات وأبنائهن، مثبتة أن فاقد الشيء هو الأجدر بالعطاء والتضحية.


عائشة تحتضن اطفالاً متخلى عنهم، المصدر: السفير العربي


وفي سنة 1996، نشرت عائشة كتاب "ميزيريا" جمعت فيه قصص النساء ضحايا العنف والاغتصاب والحمل غير المرغوب فيه. و لقي عملها الأدبي صدى واسعا في المغرب حتى أن الكبيرة فاطمة المرنيسي عبرت عن إعجابها به قائلة: ” وأنا أقرأ كتابها انتبهت إلى أن انشغالي الأهم وأنا أكتب هو كيف أغوي قارئي وأنال إعجابه، فيما الشنا تكتب لتزعج وتثير الأعصاب، ولتزجّ بنا وسط مغرب الحقائق المريعة التي لا تُحتَمل“.

لم تلق عائشة تقديرا من كبار الساسة والمفكرين فقط، بل حظيت أيضا بتكريم من الملك محمد السادس، في عام 2000، بوسام ملكي فخري.

تخطى صدى "ماما عائشة" حدود المغرب، وحصدت جوائز عديدة على الصعيد الدولي مثل جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الانسان عام 1996، وجائزة مونتيكارلو لامرأة العام في سنة 2009، تقديرا لها عن مسارها النضالي المستميت. وبعد رحلة طويلة في مواجهة السّرطان، أسلمت عائشة الروح إلى بارئها، ليسدل الستار على قصة مناضلة أنقذت

مئات الأمهات والأطفال من أسوأ المصائر التي هيئها المجتمع لهنّ ولهم.

 
 
 

Comments


Post: Blog2_Post
  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn

©2021 par JournalAhlam. Créé avec Wix.com

bottom of page